اسم الکتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المؤلف : ابن عطية الجزء : 1 صفحة : 162
بين بين، وروي عن أبي جعفر وشيبة ضم الهاء وتشديد الزاي «هزّا» ، وهذا القول من بني إسرائيل ظاهره فساد اعتقاد ممن قاله، ولا يصح الإيمان ممن يقول لنبي قد ظهرت معجزاته، وقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً، أَتَتَّخِذُنا هُزُواً، ولو قال ذلك اليوم أحد عن بعض أقوال النبي صلى الله عليه وسلم لوجب تكفيره، وذهب قوم إلى أن ذلك منهم على جهة غلظ الطبع والجفاء والمعصية، على نحو ما قال القائل للنبي صلى الله عليه وسلم في قسمة غنائم حنين: «إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله» ، وكما قال له الآخر: «اعدل يا محمد» ، وكلّ محتمل، والله أعلم.
وقول موسى عليه السلام: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ، يحتمل معنيين: أحدهما الاستعاذة من الجهل في أن يخبر عن الله تعالى مستهزئا، والآخر من الجهل كما جهلوا في قولهم أَتَتَّخِذُنا هُزُواً لمن يخبرهم عن الله تعالى.
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (2) : الآيات 68 الى 70]
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (68) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)
هذا تعنت منهم وقلة طواعية، ولو امتثلوا الأمر فاستعرضوا بقرة فذبحوها لقضوا ما أمروا به، ولكن شددوا فشدد الله عليهم، قاله ابن عباس وأبو العالية وغيرهما. ولغة بني عامر «ادع» بكسر العين، وما استفهام رفع بالابتداء، وهي خبره، ورفع فارِضٌ على النعت للبقرة على مذهب الأخفش، أو على خبر ابتداء مضمر تقديره لا هي فارض، والفارض المسنة الهرمة التي لا تلد، قاله ابن عباس وقتادة ومجاهد وغيرهم، تقول فرضت تفرض بفتح العين في الماضي، فروضا، ويقال فرضت بضم العين، ويقال لكل ما قدم وطال أمده فارض، وقال الشاعر [العجاج] : [الرجز]
يا رب ذي ضغن عليّ فارض ... له قروء كقروء الحائض
والبكر من البقر التي لم تلد من الصغر، وحكى ابن قتيبة أنها التي ولدت ولدا واحدا، والبكر من النساء التي لم يمسها الرجل، والبكر من الأولاد الأول، ومن الحاجات الأولى، والعوان التي قد ولدت مرة بعد مرة، قاله مجاهد، وحكاه أهل اللغة، ومنه قول العرب: العوان لا تعلم الخمرة. وحرب عوان: قد قوتل فيها مرتين فما زاد، ورفعت عَوانٌ على خبر ابتداء مضمر، تقديره هي عوان، وجمعها عون بسكون الواو، وسمع عون بتحريكها بالضم.
وبَيْنَ، بابها أن تضاف إلى اثنتين، وأضيفت هنا إلى ذلِكَ، إذ ذلك يشار به إلى المجملات، فذلك عند سيبويه منزلة ما ذكر، فهي إشارة إلى مفرد على بابه، وقد ذكر اثنان فجاءت أيضا بَيْنَ على بابها.
اسم الکتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المؤلف : ابن عطية الجزء : 1 صفحة : 162